منوع

معالجة أوضاع المنشآت المتوسطة والصغيرة

طغى ملف المنشآت المتوسطة والصغيرة على سطح الإعلام والرأي العام طوال العامين الأخيرين، بالتزامن مع بدء تنفيذ الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد الوطني، وتحول إلى ذريعة للتبرم من الالتزام أو تنفيذ أي منها، وسرعان ما تطورت إلى شماعة لتعليق أي آثار لها، اجتمعت كلها حول المطالبة باستثناء تلك المنشآت من أي إجراءات أو قرارات تطوير أو إصلاح، بل المطالبة بمد يد العون ماليا إلى ملاك تلك المنشآت، دون النظر إلى حقيقة الأرض التي تقف عليها، وهل تعد موطنا للتستر التجاري أم لا؟ وهل من المجدي بقاء نحو مليوني منشأة على وضعها الراهن أم لا؟

تظهر البيانات الرسمية الصادرة عن “وزارة العمل”، أن تلك المنشآت تعد الأدنى توطينا لوظائفها، ما لم يكن معدوما من الأصل، بل تم استبعاد أعلى من 700 ألف منشأة من تلك المنشآت من سياسات التوطين الراهنة؛ لعدم إقبال العمالة الوطنية على وظائفها، لانخفاض أجورها الشهرية، وعدم استقرارها ككيانات يتوافر لديها الحد الأدنى من الامتيازات التي تجتذب المواطنين، ما تسبب لاحقا في تحول تلك المنشآت وتكاثرها عبر أكثر من ثلاثة عقود مضت إلى منشآت يستوطنها التستر التجاري، فتجد رأسمالها لا يتجاوز عشرة آلاف ريال، في الوقت ذاته قد تجد إيراداتها الفعلية لا تلك المثبتة في أوراقها تتجاوز عدة ملايين، يذهب منها اللمم إلى “المواطن المتستر” صاحب المنشأة ظاهريا، والحديث هنا لا يعني التعميم على كل المنشآت المتوسطة والصغيرة، فحتى تلك التي لم تتورط في جريمة التستر التجاري، سنجد عديدا من المآخذ الأخرى عليها، ذلك أن تكاثرها بهذه الأعداد المليونية لم يقدّم أي قيمة مضافة إلى الاقتصاد الوطني، ولم يقدم ما يفيد على مستوى توطين الوظائف، في الوقت ذاته الذي تجدها تعتمد بصورة شبه كاملة على العمالة الوافدة، وإن كان وجودها قد أدّى إلى بعض الإيجابية في أوقات مضت، فقد لا تستطيع تقديم حتى ما يفيد ملاكها في إطار التحولات الهائلة التي تجري الآن على الاقتصاد الوطني.

نحن أمام منشآت تحتل المرتبة الأخيرة في سلم توطين الوظائف، وفي سلم تحقيق قيمة مضافة إلى الاقتصاد، منشآت أفرزتها حقبة اقتصادية سابقة، كان الإنفاق والدعم المعمم الآتي من الحكومة المصدر الأول والأخير لوجود وحياة تلك المنشآت، ومع التحولات الراهنة سيكون طبيعيا جدا أن تتساقط تلك المنشآت بالمئات أو بالآلاف، وأن يتوقف نشاطها، ويتم ترحيل العمالة الوافدة لديها.

من هنا يبدأ الحل! يعد خيار اندماج المنشآت ذات النشاط المتشابه، وتحولها إلى كيانات أكبر أحد أهم وأفضل المخارج لإنقاذ المجدي منها “كثير من تلك المنشآت المتوسطة والصغيرة يفوق عمرها ثلاثة عقود، ولم يطرأ عليها أي تغيير هيكلي”. على سبيل المثال: قد يكون مناسبا لعديد من مؤسسات المقاولات الصغيرة، الاندماج في منشأة واحدة كبيرة، يمكن لملاكها لاحقا طرحها في السوق المالية المحلية، واقتران ذلك بانخفاض تكلفة التشغيل، وإمكانية الاعتماد على ما لا يتجاوز 10 إلى 20 في المائة من عمالتها الوافدة إبان كانت منشآت صغيرة متفرقة، وارتفاع العائد على الاستثمار، وتوافر إمكانية توطينها نسبة عالية من الوظائف لديها، والقيام بما لم يمكن القيام به سابقا حينما كانت مجرد منشآت صغيرة متناثرة. وقس على هذه الحالة المئات إن لم يكن الآلاف من المنشآت المتوسطة والصغيرة، التي تتوافر لديها فرصة الاندماج والتكتل، تمهيدا لتحولها إلى كيانات أكبر وعملاقة، تكفل لملاكها استقرارا أفضل، وربحية أعلى، وتفتح مجالا لاجتذاب السيولة المحلية الباحثة عن فرص استثمار.

هذا الخيار يتطلب بالتأكيد التفافا من قبل وزارة التجارة والاستثمار ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية وهيئة السوق المالية ومؤسسة النقد وبقية الأجهزة الحكومية ذات العلاقة؛ لتوفير البيئة المناسبة لعقد وإتمام مثل ذلك الاندماج بين المنشآت المتوسطة والصغيرة، وتشجيع ملاك تلك المنشآت على مثل هذه الخطوة. ويأتي في المرتبة الثانية قيام القطاع المصرفي وشركات الاستثمار المرخصة بالمشاركة في تلك الإجراءات التطويرية، من حيث التمويل اللازم، وتقديم الاستشارات اللازمة لإتمام اندماج تلك المنشآت، والوصول بها إلى منصة السوق المالية المحلية، وفتح نافذة الاستثمار فيها بعد تحولها إلى كيانات أكبر وأعلى جدوى.

إنها خطوة إلى الأمام، تنسجم جملة وتفصيلا بالكامل مع التوجهات الحديثة للإصلاحات الاقتصادية الراهنة، ومع الوضع الاقتصادي والاستثماري المنشود للبرامج التنفيذية لـ”رؤية المملكة 2030″. يعد مكسبا بالغ الأهمية للجميع، أن نجد على أقل تقدير 10 إلى 20 في المائة من مجموع تلك المنشآت المتوسطة والصغيرة “نحو مليوني منشأة”، تمت معالجة أوضاعها وتحويلها إلى كيانات تجارية وصناعية وخدمية عملاقة، يمكنها – وفق وضعها الراهن – المساهمة فعليا في النمو الاقتصادي، وفي زيادة توطين الوظائف، عدا أنها بتحولها هنا فتحت قنوات استثمار محلية جديدة، تمتلك القدرة على اجتذاب رؤوس الأموال المحلية الباحثة عن فرص مجدية، كل هذا يعني بداية من حيث انتهينا إليه، لا بداية من الصفر.

كما سيؤدي القيام بمثل هذه الخطوات المهمة، إلى طرد المنشآت المتورطة في جريمة التستر التجاري، التي لن تستطيع الوفاء بأي من اشتراطات الاندماج والتكتل، ما سيفسح المجال وفرص السوق المحلية أمام المنشآت الجديدة بعد اندماجها، الأمر الذي سنشهد نتائجه الإيجابية – بتوفيق الله – في منظور زمني لن يتجاوز العقد أو العقدين المقبلين.

نقلا عن الاقتصادية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock